الوحدة المغاربية بين المسار و المآل

آخر تحديث : الأربعاء 21 فبراير 2018 - 12:55 صباحًا
حسن أوريد

لم تحظ ذكرى ما سمي باتحاد المغرب العربي بالاهتمام، كما حظيت به هذه السنة التي تصادف الذكرى التاسعة و العشرين لتوقيع معاهدة مراكش، لأن الخطاب الرسمي و غير الرسمي تغير تحت تأثير السياق الإقليمي و الدولي، و لم يعد هناك مجال للمجاملات التي تضر أكثر مما تنفع، من برقيات تهاني منمطة و خطاب سريالي.

تغير الخطاب و بعث الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة برقية للملك محمد السادس ليعبر عن أمرين بالغي الخطورة (الأهمية)، و هما أن الاتحاد المغاربي خيار استراتيجي، و أنه يتوجب إعادة التفكير في أسسه. و قبل ذلك كان الملك محمد السادس، في خطاب له في الاتحاد الافريقي، قبل شهور قد قام، بصراحة مؤلمة، بنعي الحلم المجهض للاتحاد، و اعتبر الأمر خيانة لرسالة الأجداد. شيء مهم أن يخرج القادة عن لغة الخشب. و شيء مهم أن يتكلموا بما يجيش في نفوس الشعوب المغاربية، و قواها الحية و أصحاب الرأي فيها، عوض أن يتكلموا لغة منفصلة عن الواقع، و أن يكونوا في واد و الشعوب في واد. لا يمكن أن نخفي الشمس بالغربال، فـ»الاتحاد» أخفق، و إلا هل يسوغ أن نتحدث عن الاتحاد و الحدود مغلقة بين المغرب و الجزائر، لأكثر من عشرين سنة، مع علاقات دبلوماسية بين البلدين. ألا يحسن و الحالة هذه أن نقول ما قاله السياسي و الإعلامي الجزائري محيي الدين عميمور «إكرام الميت التعجيل بدفنه». أخفق الاتحاد لاعتبارات موضوعية عدة، منها سياق إقليمي، ذلك الذي انتظم عقب حرب الخليج الثانية و تداعياتها على البلدان المغاربية. أعطت أزمة الخليج زخما للشارع و تصدرت الاتجاهات الإسلامية المشهد، خاصة في الجزائر، حيث اكتسحت جبهة الإنقاذ في الجزائر الساحة السياسية، و ما تناسل عن ذلك من إيقاف المسلسل الانتخابي في يناير 1992، و تأثير ذلك، في سلم أولويات الجزائر، و القصة معروفة. و من جانب ثان العقوبات التي ضربت ليبيا جراء قضية لوكربي.

بدأت معالم التعثر غداة حرب الخليج في فبراير 1991، و لمّا تضع الحرب أوزارها، حين طالب الملك الحسن الثاني بإرجاء القمة المغاربية، و أصر القائد الليبي على عقدها براس لانوف. أصبحت ليبيا مستهدفة، مثل الجزائر حين نشرت جريدة بريطانية «ذا ميرور» مقالا عن برنامج نووي بالجزائر، و أثر ذلك على العلاقات البينية، فضلا عن الوضع الذي عرفته الجزائر بعد اغتيال المرحوم محمد بوضياف. و بلغت الأمور حدة غير معهودة في أجواء الانفراج، حين عبر المرحوم الحسن الثاني عن رأيه في حديث مع جريدة «الشرق الأوسط» سنة 1993، حول التجربة الإسلامية بالجزائر، و اعتبرها، بصفته مؤرخا، مختبرا، الأمر الذي جر حملة إعلامية لاذعة ضد الملك و ضد المغرب. و ترنح الاتحاد حين أعلن المغرب فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين، بل والفرنسيين من أصول جزائرية، عقب عمل إرهابي استهدف فندق أسني بمراكش أغسطس 1994 و ردت الجزائر بالمثل، و تمادت مع إغلاق الحدود البرية، و مات موته السريري الذي لم ينهض منه بعدها، حين بعث وزير الخارجية المغربي عبد اللطيف الفيلالي، رسالة للأمين العام للاتحاد يطلب منه تجميده.

و أخفق الاتحاد أو التنظيم على الأصح لاعتبارات ذاتية، لأن الثقة لم تكن قائمة، خاصة بين المغرب و الجزائر، و نشبت بين البلدين سلسلة من الأحداث لم تسعف في بناء الثقة بل أججت التوجس، خاصة في ظل ما يسمى في الجزائر بالعشرية السوداء. و لم يغفر المسؤولون المغاربة للجزائر عدم الالتزام بالمادة الخامسة عشرة من اتفاقية مراكش التي تنص على أنه ليس للدول الأعضاء أن تحتضن ما من شأنه أن يمَس حرمة ترابها و سلامتها و نظامها. ليس الغرض جردا دقيقا لأسباب الإخفاق، و لكن من الضروري التذكير بأن النوايا الحسنة لا تكفي، ما لم تكن هناك ظروف موضوعية سانحة، وحتى الظروف الموضوعية لا تكفي، إن لم تكن هناك رؤية أو مقاربة إرادية، أو مقدامة أو إن لم تخرج البلدان المغاربية عما يسميه الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي بتغيير البارديغم.

المعطى الموضوعي الأول المشجع، هو أن أمل الوحدة ما يزال متوهجا في النفوس، مهما اختلفت المواقع و أساليب التعبير، و ثانيها الوعي بحدود ما يسميه الفرنسي بنايمن ستورا المختص في الشؤون المغاربية بـ”وطنية الدولة”، في التغلب على قضايا معقدة، و متشابكة، منها ما يرتبط بالأمن، و منها ما يرتبط بقضايا ثقافية معقدة، من قبيل تدبير الاختلاف، و التعليم، و علاقة الدين و السياسة، فضلا عن ضغط الاقتصاد. كل هذا يفرض ما يسميه منصف المرزوقي بتغيير البارديغم. و بتعبير آخر، فالمعادلة، كما في الرياضيات لن نجد حلا، إن لم يتغير مجال التحديد. السياق الحالي يفرض على كل الدول المغاربية من دون استثناء و بنسب متفاوتة، تحديات جسيمة تهم أولا الأمن، و ثانيا انسجام مجتمعاتها مع استفحال خطابات الهوية، و نزوعها أحيانا إلى التشنج والتطرف واستعداء الآخر، وثالثا تحديات التنمية مع فشل النيوليبرالية التي سبق أن أخذت بها كل من تونس و المغرب، و لم تفد إلا فئة شفيفة، مع تفاوتات جمة في توزيع الثروة على مستوى المجال و الشرائح المجتمعية، و انخفاض أسعار البترول و تقلص أهمية الطاقات الحجرية لفائدة الطاقات المتجدد.

إن السياسة تشبه في أوجه التربية، و مثلما يقال، فالتربية الجيدة هي حين تعلم أبناءك أن يصطادوا الأرانب في مرج يوجد فيه الأرانب، و التربية السيئة هي أن تعلمهم اصطياد الأرنب في مرج انقرضت فيه الأرانب. السياسة السيئة، تبعا لذلك، هي أن تلهث وراء شيء لم يعد مجديا. المقاربات السالفة التي انتُهجت سواء عقب الاستقلالات أو بعد سقوط حائط برلين، نفقت. لا بد من رؤية جديدة، من خلال براديغم جديد، وإذاك فحتى القضايا التي تبدو مستعصية الحل، قد تصبح سهلة، بل عروة اتصال، بدل أداة انفصال، و منها قضية الصحراء، التي عوض أن تبقى بؤرة توتر، تصبح صلة وصل، و مدخلا لتبديد سوء الفهم و التوجس و قاعدة لبناء الثقة، في إطار براديغم جديد.

المصدر - عن القدس العربي
2018-02-21
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

بريف أنفو