جامعة “القرويين”.. من هنا مر ابن خلدون وابن رشد

آخر تحديث : الخميس 4 مايو 2017 - 1:55 مساءً

بعد 12 قرناً، لا تزال “القرويين” في فاس المغربية، تؤدي دورها كإحدى أقدم الجامعات في العالم، بل و تصنفها موسوعة “غينيس” كأول جامعة في التاريخ، لم تتوقف عن العمل.

تغيرت الدول، التي تعاقبت على حكم المغرب، و بقيت “القرويين”، التي شيدتها فاطمة الفهرية، شاهدة على عصور أنجبت “منارات” المعرفة الإنسانية.

فمن هنا مر ابن خلدون و ابن رشد و ابن حزم و الشريف الإدريسي، و غيرهم كثير.

في إحدى زوايا جامع القرويين، الذي يوصف بـ “جوهرة الهندسة المعمارية المغربية” بفاس (شمال)، بصومعته البيضاء المتفردة، تحلق 20 طالباً، بينهم 3 طالبات، حول كرسي خشبي اعتلاه أحد أساتذتهم، بجلبابه المغربي التقليدي، هذا أحد الفصول الدراسية بالجامعة العريقة.

يقرأ أحد طلبة الفصل الثالث نهائي، من كتاب “صحيح مسلم” بشرح الأبي، المقرر في فقه الحديث، فيما يتولى الأستاذ شرح ما قرأه الطالب، و باقي الطلبة يستفسرون حول ما صعب عليهم فهمه، قبل أن يأذن الأستاذ للطالب بمواصلة القراءة من الكتاب.

يمر شرح الدرس، وفق الطريقة المعمول بها في القرويين، حسب عمر الدريسي، الأستاذ بجامع القرويين، في حديث للأناضول، بستة مراحل، تبدأ بقراءة الحديث وحفظه، ثم الوقوف عند بعض روايات الحديث، و رواته لمعرفة صحة الحديث،

ثم شرح غريب (الألفاظ الغريبة) الحديث، قبل الوقوف عند الأحكام الفقهية و المستفادات من الحديث، و أخيراً معاودة سرد الكتاب من أجل استحضار ما درسه الطلبة، و استدراك ما قد يكون فات في المراحل السابقة.

أما عن منهجية التدريس في القرويين، و التي تختلف فيها عن باقي الجامعات الحديثة، فتقوم، حسب عمر الدريسي، على دراسة “المتون” (كتب مرجعية قديمة)، سواء تعلق الأمر بعلوم اللغة العربية أو الشرعية، أو حتى بعض العلوم العقلية، كالفلك والتوقيت وغيرهما.

و أضاف “في التدريس بالقرويين نعتمد الكتب لا الملخصات، كما في الجامعات الحديثة”، موضحاً أنه “بما أن هذه الجامعة عتيقة فإننا نرتبط بالكتب العتيقة”.

و اعتبر أن “الطلبة عندما يدرسون كتب العلماء الكبار القدامى يسيرون على نهجهم وتلك المكانة العلمية”.

و كما لو كان يدفع تهمة “الجمود”، التي طالما طالت التعليم الديني العتيق، قال الدريسي إنه “بالإضافة إلى علم المتون في التدريس، فإننا نحاول دمجها مع بعض المناهج الديداكتيكية (طريقة التدريس) الحديثة”.

بعدما حفظ القرآن صغيراً، و أتقنه حفظاً ورسماً، إلتحق أيوب العياشي، طالباً بالقرويين، بعدما اجتاز امتحان الدخول إليها.

و من شروط الالتحاق بالجامعة العريقة أن يكون الطالب متمكناً من حفظ القرآن الكريم، و بعض المتون الضرورية، حسب أيوب العياشي، الذي يستعد وزملاءه للتخرج حاملاً شهادة “العالمية” نهاية العام الدراسي.

و رغم أنه كان يمكن أن يلتحق بإحدى الجامعات الحديثة الأخرى، إلا أن العياشي اختار القرويين لـ “مكانتها الكبيرة و لقيمتها ولأهميتها و للمواد التي تدرس بها و الأساتذة التي تتوفر عليهم”، حسب تعبيره.

و أضاف أن “التدريس في القرويين يعتمد على ازدواجية الطريقتين، الطريقة العتيقة الشرعية التي نقول عنها (ما كان أصح علم من تقدم) أي منهج من تقدم، و الطريقة البيداغوجية الحديثة”.

و كشف أن السبب الذي جعله يلتحق بها، هو الانتساب إلى هذا الصرح العلمي الشامخ، و الرغبة في الحصول على شهادة العالمية لما لها من مكانة علمية و اجتماعية.

يقضي الطالب 12 عاماً من الدراسة بالقرويين ليتخرج بشهادة “العالمية” في العلوم الشرعية و اللغوية، قبل أن يلتحق بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة و المرشدين و المرشدات، لشغل وظيفة مرشدين دينيين، أو أئمة وخطباء، وموظفون بوزارة الأوقاف والشؤون العلمية، و المؤسسات الدينية الرسمية (المجالس العلمية).

كما يمكنهم الإلتحاق بالجامعات الحديثة لاستكمال دراستهم في الماستر (ماجستير) ثم الدكتوراه في الشريعة والدراسات الإسلامية.

“منذ تأسيسه في أواسط القرن التاسع الميلادي، على يد امرأة عظيمة تسمى فاطمة الفهرية، لم يتوقف جامع القرويين عن أداء رسالته العظيمة”، يقول عبد المجيد المرضي، الإمام المشرف على القرويين، للأناضول.

و يضيف “هذه المعلمة التاريخية تصنف الآن، من قبل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كأول جامعة في التاريخ، من حيث توفرها في مرحلة مبكرة من التاريخ على مجموعة من المواصفات جعلت منها جامعة”.

و أضاف المرضي أن القرويين هي أول جامعة أنشأت الدرجات العلمية، و كذلك ما يسمى بالكرسي العلمي المتخصص، مشيراً إلى أن “هذه الجامعة أدت أدوراً تاريخية و علمية عظمية، و ظلت معطاءة في مجال العلم و الإنتاج الفكري و لم تتوقف.

و مرت هذه الجامعة عبر مراحل مختلفة من جامع بسيط إلى جامعة متخصصة في علوم شتى، درس فيها الطب والفلك، و الفكر الإسلامي و العلوم الإسلامية و علوم المنطق و الفلسفة و الحساب و غيرها، وفق المشرف عليها.

و تابع المرضي أن القرويين “كانت مقصداً ومورداً للعلماء من أنحاء شتى من العالم، حيث أن علماء الأندلس، رغم أنها كانت مركزاً علمياً و أنتجت و أعطت في المجال الفكري الكثير، كانوا يرحلون إلى القرويين للانتساب إليها وتحصيل الدرجات العلمية فيها و الاستفاذة من علمائها و تبادل الخبرات في المجالات العلمية”.

و امتد إشعاع “القرويين” عبر محيطها، إلى درجة أن الكثير من الصناع و الحرفيين في فاس كانوا يشاركون علماء القرويين في مناقشات دقيقة للفقه و الحديث، بل في علوم المنطق و العلوم العقلية، و أفردت دروساً خاصة للصناع و الحرفيين و عموم الناس، حسب المتحدث.

و شيد “القرويين” العام 859 ميلادية، على يد فاطمة الفهرية المنحدرة من القيروان بتونس حالياً، و بني في البداية على مساحة صغيرة، قبل أن يتم توسيعه و تزيينه و ترميمه، في فترات متلاحقة من التاريخ، و بتعاقب الدول التي تعاقبت على حكم فاس و المغرب.

و ظلت “القرويين” قطباً تعليمياً مهماً و مركزاً للمعرفة العلمية و الدينية في العالم الإسلامي، منذ تشييدها.

و استقطبت العديد من العلماء و الفلاسفة، و بينهم بن رشد، بن باجة، و مؤرخون مثل بن خلدون وأطباء فلاسفة مثل بن ميمون، و جغرافيون مثل الشريف الإدريسي، و متصوفة مثل بن حزم وعبد السلام بن مشيش و غيرهم.

كلمات دليلية ،
2017-05-04 2017-05-04
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

وكالات