“عمل نادلا في مقهى، ثم عاملا في قطاع البناء، إلى أن اختار بيع الجرائد، المهنة التي علمته أبجديات القراءة، و جعلت منه رفيق درب مفكرين و كتاب و إعلاميين مغاربة مشهورين”.
قصة قصيرة لـ”محمد المرضي”، الملقب بـ”الروبيو” (تعني الأشقر بالعامية المغربية)، و لكن معانيها كبيرة وكأنها رواية، لا يكاد ينتهي فصل منها، إلا وتترقب أحداث الفصول الأخرى.
كثيرة هي الأحداث التي تركت بصمتها على شخصية “الروبيو”، أشهر بائع للجرائد و الكتب أمام مبنى البرلمان المغربي، جعلته شاهدا على السياسة و الحكومات و الاحتجاجات، و الإعلام.
و لأنه يبيع الجرائد أمام مقر السلطة التشريعية، فإنه يستقبل برلمانيين و وزراء باستمرار يأتون لشراء الصحف و الاطلاع على مستجدات الأحداث.
“الروبيو”، شاهد على الاحتجاج و على السلم الاجتماعي؛ لأن الساحة التي أمامه و التي تفرق بينه وبين مبنى البرلمان، هي أهم ساحة احتجاج بالبلاد، حيث يحج إليها كل من له مظلمة أو شكاية أو يريد إيصال رسالته إلى المسؤولين.
و بحكم مهنته المرتبطة بعالم الأخبار، و قربه من البرلمان، صار الروبيو، شاهدا على “حكومة التناوب”، التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي اليساري في 1998، ثم “حكومة الإسلاميين”، التي قادها حزب العدالة والتنمية في 2012، والذين جاؤوا للحكومة بعد “الربيع العربي” في 2011.
كما أنه شاهد على عهد الملك الحسن الثاني الراحل، و ابنه الملك الحالي محمد السادس.
لكن أبرز ما شهِده بائع الجرائد بداية أفول عصر الجرائد و المجالات الورقية، و يتحسر على هذا الأمر لأن من شأن ذلك أن ينهي العمر الافتراضي لمهنة بيع الجرائد، بعد أن أصبح الناس يتصفحون آخر الأخبار على هواتفهم النقالة.
و بحكم معرفته اليومية بمستوى مبيعات الصحف التي لديه، صعودا أو نزولا، يلجأ إليه بعض مدراء الجرائد لاستشارته عن إقبال المواطنين عن منتجاتهم.
و في هذا السياق، قال “الروبيو” للأناضول: “في الماضي كان المواطنون ينتظرون بشغف متى تصدر الجريدة من أجل شرائها، و الآن الجريدة تنتظر هل سيأتي من يقتنيها أم لا. فعلا هناك تراجع كبير”.
بيع الصحف انتشله من الأمية
و عن بدايات العمل كبائع الجرائد، قال “الروبيو”: “جئت للرباط في 1987، لم يسبق لي أن قرأت، و لكن بفضل مساعدة القراء و بعض الأساتذة الجامعيين تعلمت القراءة من خلال هذه المهنة، و لكن الفضل يرجع بالدرجة الأولى إلى شرطي كان صديقا لي، علمني القراءة”.
و يتحسر عن عدم زيارة النخبة السياسية لشارع محمد الخامس كما كان في السابق.
و قال إن مقهى باليما (يوجد أمام مبنى البرلمان وتم إغلاقه مؤخرا) مثلت قلب المغرب؛ حيث كان قِبلة المناضلين و السياسييين و المثقفين.
كثيرة هي المواضيع التي يناقشها “الروبيو” مع زبنائه من السياسة إلى الفن مرورا بالثقافة والطبخ؛ فطبيعة مهنته فرضت عليه التعرف على مواضيع مختلفة.
و بقدر مواكبته للمستجدات والأحداث بقدر امتلاكه لعين لاقطة لمتغيرات البلاد، و انتقاده لبعض الأمور.
و قال “الروبيو: “الآن نحن نعيش بدون قضية، نذهب للمدرسة بدون قضية، و نخرج للشارع بدون قضية، و هو ما يؤثر على مسار البلاد”.
قصتان.. و 3 فناجين قهوة
و روى “الروبيو” قصتان تحملان دلالات عميقة.
و عن القصة الأولى قال: “خلال مرحلة الاتحاد السوفيتي، سألت صديقتي الأمريكية التي كانت تقيم آنذاك بالمغرب، عن أسباب تعلمها اللهجات المغربية بما فيها الأمازيغية. ردت: قريبا سنحكم العالم، وسنحتاج إلى مترجمين من بلدنا”.
و بخصوص القصة الثاني، قال: “بعد أحداث 11 من سبتمبر (2001)، بيومين التقيت بصديقي إدمون المالح (كاتب و صحفي يهودي مغربي)، و قال لي بالحرف: الروبيو.. أجندة العالم ستتغير، فيجب أن تغير بدورك أجندتك و طريقة عيشك، مثلا أنت الآن تشرب 3 أكواب قهوة، حاول أن تشرب كوبين في انتظار أن تقتصر على كوب واحد، و ها أنذا اليوم أشرب كوبا واحدا”.
و أضاف: “لم أستوعب أحداث القصتين إلا بعد مدة، عندما ربطت بينهما؛ فبعض الدول تخطط لـ100 سنة قادمة أو أكثر، و أخرى تعمل وفق أجندة معينة لا يتم معرفة مضمونها إلا بعد حين”.
و قالت ليلى المرضي، ابنة “الروبيو”، وهي طالبة ماجستر بكلية الحقوق، للأناضول، إن أباها “يُلح على أبنائه بضرورة متابعة دراستهم والاهتمام أكثر بالقراءة”.
و أضافت أن والدها كانت تربطه علاقات كبيرة مع مفكرين و كتاب مغاربة مثل المهدي المنجرة، الخبير المغربي في مجال المستقبليات، و محمد شكري، الكاتب المغربي المشهور.
رسالة “الروبيو” يلخصها في كلمة واحدة “إقرأ”؛ لأنه يعتبر أنه لا تقدم بدون قراءة سواء تعلق الأمر بالمواطنين أو المسؤولين أو الدولة، فهل ستصل رسالته إلى من يهمهم الأمر أم تذهب أدراج الرياح.
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)