أخذ مرشح الوسط إيمانويل ماكرون خطوة كبيرة نحو رئاسة فرنسا يوم الأحد بفوزه في الجولة الأولى من الانتخابات وتأهله للجولة الثانية المقررة في السابع من مايو أيار في مواجهة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.
و على الرغم من أن ماكرون (39 عاما) حديث عهد نسبيا على الساحة السياسية و لم يتقلد مطلقا منصبا عن طريق الانتخاب فإن استطلاعات الرأي توقعت فوزه في الجولة الثانية بسهولة على لوبان (48 عاما).
و تمثل نتيجة انتخابات يوم الأحد هزيمة ثقيلة ليمين الوسط ويسار الوسط اللذين سيطرا على الساحة السياسية الفرنسية لنحو 60 عاما كما أن النتيجة تقلل من احتمال حدوث صدمة على غرار تصويت بريطانيا في يونيو حزيران بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
و في خطاب النصر قال ماكرون لأنصاره “غيرنا في سنة واحدة وجه السياسة الفرنسية”. و مضى يقول إنه سيأتي بوجوه جديدة لتغيير النظام السياسي القديم إذا اختاره الناخبون.
و في إقرار بالهزيمة حتى قبل صدور الأرقام حث المرشحان المحافظ و الاشتراكي أنصارهما على حشد طاقاتهم لدعم ماكرون والتصدي في الجولة الثانية لأي فرصة لفوز لوبان التي يقولان إن سياساتها المناهضة للهجرة ولأوروبا تمثل كارثة على فرنسا.
و أظهر استطلاع أجراه مركز هاريس لاستطلاعات الرأي أن ماكرون سيفوز في الجولة الثانية بنسبة 64 بالمئة مقابل 36 بالمئة للوبان و أعطى استطلاع إبسوس/سوبرا ستيرا توقعات مماثلة.
و مع تنفس المستثمرين الصعداء بعد ما اعتبره السوق أفضل نتيجة ممكنة صعد اليورو اثنين بالمئة إلى 1.09395 دولار عند فتح الأسواق في آسيا قبل أن يتراجع مرة أخرى إلى نحو 1.0886 دولار.
و كان هذا أعلى مستوى لليورو منذ 10 نوفمبر تشرين الثاني بعد يوم من نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.
و في سباق متقارب بدرجة تعذر معها حتى اللحظة الأخيرة التكهن بنتيجته أظهرت النسب النهائية للتصويت الصادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية يوم الاثنين أن ماكرون، و هو وزير اقتصاد ومصرفي سابق مؤيد للاتحاد الأوروبي و أسس حزبه قبل عام واحد فقط، حصل على 23.75 بالمئة من الأصوات مقابل 21.53 بالمئة لصالح لوبان.
و بعد لحظات من إعلان التوقعات الأولى احتشد أنصار لماكرون في مركز مؤتمرات بالعاصمة باريس ورددوا النشيد الوطني. و كان كثيرون منهم دون سن 25 عاما مما يعكس جانبا من التأييد لرجل يهدف إلى أن يصبح أصغر رئيس لفرنسا منذ نابليون.
“رئيس الوطنيين”
قال ماكرون لأنصاره وهو يضع نصب عينيه سياسات لوبان “أريد أن أكون رئيسا للوطنيين ضد تهديد القوميين”.
و إذا فاز ماكرون فإن أكبر التحديات التي سيواجهها ستكون عندما يحاول أولا ضمان أغلبية برلمانية لحزبه الشاب في يونيو حزيران ثم عندما يسعى لدعم شعبي واسع لإصلاحات عمالية من المؤكد أنها ستلاقي مقاومة.
و في مواجهة المعركة المقبلة أعلن ماكرون أنه سيسعى إلى كسر نظام “غير قادر على الاستجابة لمشكلات بلادنا منذ أكثر من 30 عاما”.
و قال ماكرون “من اليوم أريد أن أصنع أغلبية لحكومة ولتحول جديد. سيتألف من وجوه جديدة وموهبة جديدة يمكن لكل رجل وامرأة أن يجد لنفسه مكانا فيها”.
و تسير لوبان، التي تحاول أن تصنع التاريخ كأول امرأة تتولى رئاسة فرنسا، على خطى والدها الذي أسس الجبهة الوطنية ووصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2002.
و مني والدها جان ماري لوبان بالهزيمة في نهاية المطاف عندما احتشد الناخبون من اليمين واليسار حول المرشح المحافظ جاك شيراك من أجل استبعاد حزب اعتبروا أفكاره اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين غير ملائمة.
و بذلت ابنته جهودا مضنية لتخفيف صورة الحزب ولاقت تأييدا واسعا وسط الناخبين الشبان من خلال تنصيبها لنفسها كمناهضة للمؤسسة ومدافعة عن العمال الفرنسيين و المصالح الفرنسية في مواجهة الشركات العالمية و اتحاد أوروبي يكبل اقتصاد فرنسا.
و في أول كلمة بعد إعلان النتائج قالت لوبان “الشيء الأساسي على المحك في هذه الانتخابات هو العولمة المتوحشة التي تهدد حضارتنا”.
و راحت تشن هجوما على سياسات ماكرون الذي وصفته مرة أخرى “بملك المال” في انتقاد يحط من قدر خلفية المصرفي السابق.
و قالت لوبان إن سياساته الداعية للتحرر من القيود ستؤدي إلى منافسة دولية غير عادلة ضد المصالح التجارية الفرنسية و إلى هجرة جماعية و حرية حركة “الإرهابيين”.
و مع ذلك دعا عدد من المرشحين المهزومين أنصارهم إلى وقفها و يبدو أن لوبان ستلقى نفس مصير والدها عندما تواجه ماكرون بعد نحو أسبوعين.
و حث المرشح الاشتراكي المهزوم بنوا هامون ورئيس الوزراء الاشتراكي برنار كازنوف والمرشح اليميني المهزوم فرانسوا فيون الناخبين على الاحتشاد وراء ماكرون في الجولة الثانية.
و في برلين أشاد متحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بنجاح ماكرون و قال في تغريدة على تويتر “جيد أن إيمانويل ماكرون نجح بسياسته المؤيدة لاتحاد أوروبي قوي… أتمنى له التوفيق في الأسبوعين المقبلين”.
و قال متحدث باسم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إنه عبر عن تمنياته الطيبة للجولة الثانية.
هزيمة مريرة
و كانت ليلة الاثنين ليلة مريرة على فيون الذي كان يعتبر قاب قوسين أو أدنى من دخول الإليزيه إلى أن لاحقته في يناير كانون الثاني مزاعم تلقي زوجته أموالا من خزينة الدولة نظير عمل لم تقم به.
و حصل فيون على 19.91 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى وحصد مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلينشون 19.64 بالمئة.
و قال فيون رئيس الوزراء المحافظ السابق (63 عاما) في مؤتمر صحفي “الهزيمة هزيمتي وعلي أنا فقط تحملها” مضيفا أنه سيصوت لماكرون.
و يتبنى ماكرون ولوبان رؤيتين اقتصاديتين متناقضتين بشدة في بلد يتخلف اقتصاده عن جيرانه و لا يعمل ربع الشبان فيه.
و من المرجح أن تلقى إجراءات ماكرون التي تقضي بالتحرر تدريجيا من القيود ترحيبا من أسواق المال العالمية و كذلك خفض الإنفاق العام والخدمة المدنية. لكن لوبان تريد طبع النقود لتمويل مخصصات الرعاية الاجتماعية الكبيرة وخفض الضرائب ووقف العمل باليورو وربما الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
و قال دييجو إيزكارو وهو خبير اقتصادي في (آي.إتش.إس ماركيت) “ستطمئن الأسواق إلى تفادي جولة ثانية مكروهة بين لوبان وميلينشون”.
و أضاف “ونتيجة لذلك نتوقع بعض الانتعاش في أسعار السندات الفرنسية كما من المرجح أن يستفيد اليورو. لكن يمكن أن يحدث الكثير خلال أسبوعين ومن المرجح أن تتعرض الأصول الفرنسية لبعض الضغط إلى أن تنتهي الجولة الثانية”.
و قال تيموثي آش وهو خبير اقتصادي في بلوباي لإدارة الأصول إن فوز ترامب في نوفمبر تشرين الثاني كان نقطة تحول للناخبين الذين يلعبون بورقة الاحتجاج.
و أضاف “رغم كل اللغط حول صعود الشعبوية فإن 60 بالمئة من الناخبين اختاروا مرشحين من التيار الرئيسي… ففي عالم غامض يفضل الناخبون عدم المجازفة كثيرا ويختارون ما يعرفونه جيدا”.
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)